"ماذا يوجد في قلبي؟"
مفتاح اكتشاف الذات والعالم
يُعد أدب الطفولة المبكرة (الفئة العمرية 2-5 سنوات) الركيزة الأولى لنمو الطفل المعرفي والعاطفي، إذ يقدم له مفاهيم معقدة بلغة بسيطة وودودة. قصة "ماذا يوجد في قلبي؟" للكاتبة يمام خرتش، هي مثال ساطع على هذا النوع من الأدب.
تدور فكرة القصة حول رحلة استكشافية متدرجة تبدأ من الكون الواسع وتنتهي في أعمق نقطة في وجود الطفل... قلبه.
هذا التناول المنهجي ليس مجرد سرد، بل هو أداة تربوية تربط الطفل بكونه الذي يحيط به وبذاته الداخلية، مؤسسةً بذلك قيم الحب والامتنان، وناقلةً رسالة السلام والأمل.
2. الرحلة العكسية: آلية الكتابة والاستكشاف
تستخدم الكاتبة في هذه القصة آلية سردية فريدة وهي "النزول المتدرج" أو "التركيز العكسي"، وهي آلية تعليمية فعالة في الطفولة المبكرة لترسيخ المفاهيم المكانية والاجتماعية:
نقطة البداية (الكون الواسع): المفاهيم الكونية: تبدأ القصة بالمجرات والنجوم والكواكب.
النقطة المتوسطة (البناء الاجتماعي): المفاهيم الاجتماعية والجغرافية: تتجه إلى المحيطات، الأوطان، البيوت، والعائلات.
نقطة النهاية (الذات): المفاهيم العاطفية الوجودية: تنتهي عند القلب الذي لا يتوقف عن الخفقان، ويضم الكون والكواكب، والوطن والبيت والعائلة.
هذا التدرج يمنح الطفل شعوراً بالانتماء، حيث يُدرك أنه جزء صغير ومهم من منظومة هائلة تبدأ بالكون وتنتهي به هو شخصياً.
3. معايير الكتابة للطفولة المبكرة: اللغة والشكل
تتبنى القصة مجموعة من المعايير الضرورية لمخاطبة هذه الفئة العمرية، مما يسهل استيعابها العاطفي والمعرفي:
اللغة الإيقاعية والقافية: على الرغم من أن النص ليس شعرياً بالكامل، إلا أنه يعتمد على الإيقاع الداخلي وتكرار المفردات (مثل "يوجد في...") والكلمات ذات القوافي المتقاربة "أنهار" ، "أوطان"، "جدران"، "أحضان" مما يجعله سهلاً للحفظ وممتعاً للأذن الصغيرة.
بساطة المفاهيم مقابل عمقها: تقدم القصة مفاهيم عظيمة (الكون، الوطن، العائلة، المشاعر) في إطار جمل بسيطة ومباشرة، تناسب القدرة اللغوية المحدودة لهذه المرحلة.
التركيز على العناصر البصرية: ترافق النص مع رسومات غنية بالألوان والمفردات البصرية لكل صفحة، وهي الآلية الأساسية لإيصال المعلومة للطفل في هذه الفئة العمرية، وقد نجحت الفنانة شيرين سعيد بتبني إحساس الطفل ومشاعره بشكل أعطى النص دفئا مميزا.
4. المحور العاطفي: غرس الحب والسلام
الرسالة النهائية للقصة هي قلب المقال. بعد هذه الرحلة الطويلة عبر الكون والمدن، تختتم القصة بالتركيز على محتوى القلب، الذي هو مصدر الحب والامتنان، وكذلك الأحلام والنور والسلام. هذا التأكيد على المشاعر الإيجابية يخدم هدفين تربويين أساسيين:
بناء الذكاء العاطفي: مساعدة الطفل على تسمية مشاعره الإيجابية، وفهم أنها "موجودة" في داخله، مما يعزز قدرته على تنظيمها لاحقاً.
تعزيز الشعور بالأمان: عند ذكر البيوت التي "تحتاج دائمًا إلى الأمان"، والعائلات التي تضم "الكثير من القبلات والأحضان"، يتم ترسيخ مفهوم الحماية والدفء، وهي الاحتياجات الأساسية للطفل في هذه المرحلة.
5. الخاتمة: دعوة للحوار المفتوح
تُنهي القصة رحلتها بعبارة حوارية ودودة: "أخبرني ماذا يوجد في قلبك؟". هذا السؤال المفتوح يمثل أسمى آليات الكتابة للطفولة المبكرة؛ حيث يحوّل القصة من مجرد نص مقروء إلى محفز للحوار والتفاعل المباشر بين الطفل وولي الأمر أو المربي. إن قصة "ماذا يوجد في قلبي؟" هي جسر عاطفي ومعرفي يأخذ الطفل من العالم الخارجي ليعيده إلى ذاته، مزوداً إياه بأدوات الحب والأمل والسلام.
الرسالة النهائية للقصة هي قلب المقال. بعد هذه الرحلة الطويلة عبر الكون والمدن، تختتم القصة بالتركيز على محتوى القلب، الذي هو مصدر الحب والامتنان، وكذلك الأحلام والنور والسلام.
